فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإن يردوا أن يخدعوك} قال: قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} قال: الأنصار.
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} الآية قال: نزلت في الأنصار.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} قال: هم الأنصار.
وأخرج ابن عساكرعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي، وذلك قوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}.
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الاخوان والنسائي والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه. أن هذه الآية نزلت في المتحابين {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب واللفظ له، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قرابة الرحم تقطع، ومنة المنعم تكفر، ولم نر مثل تقارب القلوب. يقول الله: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} وذلك موجود في الشعر قال الشاعر:
إذا مت ذو القربى إليك برحمه ** فغشك واستغنى فليس بذي رحم

ولكن ذا القربى الذي ان دعوته ** أجاب: ومن يرمي العدوّ الذي ترمي

ومن ذلك قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم خبرتهم ** وبلوت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرب قاطعًا ** وإذ المودّة أقرب الأسباب

قال البيهقي: هكذا وجدته موصولًا بقول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا أدري قوله وذلك موجود في الشعر من قوله أو من قبل من قبله من الرواة.
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النعمة تكفر، والرحم يقطع، وإن الله تعالى إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم تلا {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم...} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: إذا لقي الرجل أخاه فصافحه، تحاتت الذنوب بينهما كما ينثر الريح الورق. فقال رجل: إن هذا من العمل اليسير. فقال: ألم تسمع الله قال: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}.
وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة: إن يكن الدهر فرق بيننا فإن ألفة الله الذي ألف بين المسلمين قريب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)} أي إنْ لَبَّسُوا عليك، وراموا خِداعَك بطلب الصُّلح منك- وهم يستبطنون لك بخلاف ما يظهرونه- فإنَّ اللهَ كافِيكَ، فلا تَشْغلْ قلبَك بغفلتك عن شرِّ ما يكيدونك؛ فإني أعْلَمُ ما لا تعلم، وأقْدِر على ما لا تقدر.
هو الذي بنصره أفْردَكَ، وبلطفِه أيَّدَكَ، وعن كل سوءٍ ونصيبٍ طَهَّرَك، وعن رقِّ الأشياء جَرَّدَكَ، وفي جميع الأحوال كان لك.
هو الذي أيَّدك بمن آمن بك من المؤمنين، وهو الذي ألَّف بين قلوبهم المختلفة فجَمَعَها على الدَّينِ، وإيثارِ رضاء الحق. ولو كان ذلك بِحَيلِ الخلْق ما انتَظمَتْ هذه الجملة، ولو أبلغتَ بكلِّ ميسورٍ من الأفعال، وبذلتَ كُلَّ مُستطاعٍ من المال- لَمَا وَصَلَتْ إليه. اهـ.

.من لطائف القاسمي:

روى الحاكم أن ابن عباس كان يقول: إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتكفر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء. ثم يقرأ: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْض} الآية.
وعند البيهقي نحوه. وقال موجود في الشعر:
إذا بتّ ذو قربى إليك بزلة ** فغشك واستغنى فليس بذي رُحْم

ولكن ذا القربى الذي إن دعوته ** أجاب، وأن يرمي العدو الذي ترمي

قال: ومن ذلك قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم ** وبلوت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرب قاطعًا ** وإذا المودة أقرب الأسباب

قال البيهقي: لا أدري هذا موصولًا بكلام ابن عباس، أو هو قول من دونه من الرواة.
قال الرازي: احتج أصحابنا بهذه الآية، على أن أحوال القلوب من العقائد والإرادات، كلها من خلق الله تعالى، وذلك لأن الألفة والمودة والمحبة الشديدة إنما حصلت بسبب الإيمان ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. انتهى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (64):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما صرح بأن الله كافيه، وكانت كفاية الله للعبد أعظم المقاصد، التفتت الأنفس إلى أنه هل يكفيه مطلقًا أو هو فعل مع المؤمنين أيضًا مثل ذلك، فأتبعها بقوله معبرًا بوصف النبوة الذي معناه الرفعة والاطلاع من جهة الله على ما لا يعلمه العباد، لأنه في سياق الإخبار ببعض المغيبات والتصرف في الملكوت: {يا أيها النبي} أي العالي القدر الذي نعلمه بعواقب أموره {حسبك} أي كافيك {الله} أي الذي بيده كل شيء {ومن} أي مع من {اتبعك من المؤمنين} يجوز أن يكون المعية من ضميره صلى الله عليه وسلم فيكون المؤمنون مكفيين، وأن يكون من الجلالة فيكونوا كافين، حتى يكون المعنى: فهو كافيهم أيضًا وهم كافوك لأنه معهم، وساق سبحانه هذا هكذا تطييبًا لقلوبهم وجبرًا لخواطرهم وبالمعنى الثاني- لتضمنه الأول وزيادته عليه- قال ابن زيد والشعبي: حسبك الله وحسبك من اتبعك، وساقها سبحانه على وجه مكرر لكفاية نبيه صلى الله عليه وسلم محتمل لأن فيمن كان على اتباعه في ذلك الوقت لئلا يستقلوا بالنسبة إلى كثرة أعدائهم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقًا على جميع التقديرات وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار، لأن المعنى في الآية الأولى، إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم.
والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين والدنيا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال والمراد بقوله: {وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} الأنصار وعن ابن عباس رضي الله عنهما، نزلت في إسلام عمر، قال سعيد بن جبير أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلًا وست نسوة، ثم أسلم عمر، فنزلت هذه الآية.
قال المفسرون: فعلى هذا القول هذه الآية مكية، كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الآية قولان: الأول: التقدير، الله كافيك وكافي أتباعك من المؤمنين.
قال الفراء: الكاف في حسبك خفض و{مِنْ} في موضع نصب والمعنى: يكفيك الله ويكفي من اتبعك، قال الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ** فحسبك والضحاك سيف مهند

قال وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا حسبك وأخاك، بل المعتاد أن يقال حسبك وحسب أخيك.
والثاني: أن يكون المعنى كفاك الله وكفاك أتباعك من المؤمنين.
قال الفراء وهذا أحسن الوجهين، أي ويمكن أن ينصر القول الأول بأن من كان الله ناصره امتنع أن يزداد حاله أو ينقص بسبب نصرة غير الله، وأيضًا إسناد الحكم إلى المجموع يوهم أن الواحد من ذلك المجموع لا يكفي في حصول ذلك المهم.
وتعالى الله عنه ويمكن أن يجاب عنه بأن الكل من الله، إلا أن من أنواع النصرة ما لا يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة، ومنها ما يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة.
فلهذا الفرق اعتبر نصرة المؤمنين. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَيُّهَا النبي حَسْبُكَ الله} يعني حسبك الله بالنصرة والعون لك، {وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين}.
قال بعضهم: {مِنْ} في موضع رفع، ومعناه وحسبك من اتبعك من المؤمنين وهم الأنصار؛ ويقال: يعني عمر بن الخطاب؛ ويقال: هذه الآية خاصة من هذه السورة نزلت بمكة، حين أسلم عمر وكان المسلمون تسعة وثلاثين، فلما أسلم عمر تمّ عددهم أربعون، وظهر الإسلام بمكة بإسلام عمر؛ وقال بعضهم: من في موضع النصب، يعني حسبك ومن اتبعك من المؤمنين؛ وقال الضحاك: ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله وهو ناصرهم في الدنيا والآخرة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
فيه وجهان:
أحدهما: حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين الله، قاله الكلبي ومقاتل.
والثاني: حسبك الله أن تتوكل عليه والمؤمنون أن تقاتل بهم.
قال الكلبي: نزلت هذه الآية بالبيداء من غزوة بدر قبل القتال. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}
قال النقاش: نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج خاصة، قال ويقال إنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين، قاله ابن عمر وأنس، فهي على هذا مكية، و{حسبك} في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك، والمحسب الكافي، وقالت فرقة: معنى هذه الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك من المؤمنين، ف {من} في هذا التأويل رفع عطفًا على اسم الله عز وجل، وقال عامر الشعبي وابن زيد: معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، ف {من} في هذا التأويل في موضع نصب عطفًا على موضع الكاف، لأن موضعها نصب على المعنى ليكفيك التي سدَّت {حسبك} مسدَّها، ويصح أن تكون {من} في موضع خفض بتقدير محذوف كأنه قال وحسب وهذا كقول الشاعر: [المتقارب]
أكلُّ امرئٍ تحسبين امرأً ** ونار توقَّدُ بالليلِ نارا

التقدير وكل نار، وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بابه ضرورة الشعر، ويروى البيت ونارًا، ومن نحو هذا قول الشاعر: [الطويل]
إذا كانت الهيجاءُ وانشقَّت العصا ** فحسبُك والضحَّاكُ سيف مهند

يروى الضحاك مرفوعًا والضحاك منصوبًا والضحاك مخفوضًا فالرفع عطف على قوله سيف بنية التأخير كما قال الشاعر:
عليك ورحمة الله السلام

ويكون الضحاك على هذا محسبًا للمخاطب، والنصب عطفًا على موضع الكاف من قوله حسبك والمهند على هذا محسب للمخاطب، والضحاك على تقدير محذوف كأنه قال فحسبك الضحاك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}
قوله تعالى: {حسبك الله ومن اتَّبَعَكَ} فيه قولان:
أحدهما: حسبُك اللهُ، وحسبُ من اتَّبَعَكَ، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، ومقاتل، والأكثرون.
والثاني: حسبُك اللهُ ومتَّبِعُوكَ، قاله مجاهد.
وعن الشعبي كالقولين.
وأجاز الفراء، والزجاج الوجهين.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون، ثم أسلم عمر فصاروا أربعين، فنزلت هذه الآية.
قال أبو سليمان الدمشقي: هذا لا يحفظ، والسورة مدنية باجماع، والقول الأول أصح. اهـ.